من قصص بر الوالدين أويس بن عامر القرني رجل أنبأ النبي- صلى الله عليه وسلم- بظهوره، وكشف عن عظيم منزلته عند الله ورسوله، وأمر الصحابة الأخيار بالتماس دعوته وابتغاء القربى إلى الله بها، وما كانت آيته إلا برُّه بأمه، روى مسلم في صحيحه: كان عمر- رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم، أفيكم أويس بن عامر؟! حتى أتى على أويس بن عامر فقال: أنت أويس بن عامر؟! قال: نعم.. قال: من مراد؟! قال: نعم، قال: كان بك برَص فبرأت منه إلا موضع درهم؟! قال: نعم.. قال: لك والدة؟! قال: نعم، قال: سمعت رسول الله يقول:"يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به أثرُ برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدةٌ هو بارٌّ بها، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي، فاستغفرَ له، فقال له عمر: أين تريد؟! قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟! قال: أكون في غبراء الناس أحبُّ إليَّ، وعن أصبغ بن زيد، قال: إنما منع أويسًا أن يَقدم على النبي- صلى الله عليه وسلم- برُّه بأمه.
قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار
قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا الخروج منه، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحةً، فادعوا الله بها لعلَّه يفرجها، فقال أحدهم: "اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، وليَ صبيةٌ صغار، كنت أرعى عليهم، فإذا رجعت إليهم فحلبت بدأت بوالدَيَّ أسقيهما قبل ولدي، وإنه قد نأى بي الشجر (أي بعُد علي المرعى) فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما أكرَهُ أن أوقظَهما، وأكرهُ أن أبدأ بالصبية قبلَهما، والصبية يتضاغَون عند قدمي (أي يبكون)، فلم يزل ذلك دَأْبي ودأبُهم حتى طلَع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاءَ وجهك فافرج لنا ففرَّج الله لهم حتى يرون السماء".
نماذج من السلف الصالح
- محمد بن سيرين: كان محمد بن سيرين إذا كلَّم أمه كأنه يتضرع، وقال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين- وهو عند أمه- فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئًا؟! قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
- أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين- رضي الله عنهم-: كان كثير البرِّ بأمه، حتى قيل له: إنك من أبرِّ الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفةٍ، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
- حيوة بن شريح: وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلِّم الناس، ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قمْ يا حيوة فاعلِف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
بر الوالدين جزاؤه رفقة الأنبياء في الجنة
سأل نبي الله موسى- على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ربَّه وقال: يا رب أرني مَن رفيقي في الجنة؟ فأوحى الله- سبحانه وتعالى- إليه وقال: يا موسى أول رجل يمرُّ عليك من هذا الطريق فهو رفيقك في الجنة، ومرَّ عليه رجل وسار موسى وراءَه يريد أن يفهم ويعلم ماذا يصنع هذا الرجل حتى أعطيَ رفقة الأنبياء في الجنة..!!
وإذا بالرجل يدخل بيتًا ويجلس أمام امرأةٍ عجوزٍ، ويُخرج قطَعًا من اللحم فيشويها ويضعها في فم العجوز ويسقيها الماء ويخرج، فسأله موسى مَن هذه بحق الله عليك؟! والرجل لا يعلم من السائل فقال له إنها أمي..، فقال موسى: أو ما تدعو لك، فقال الرجل: إنها تدعو لي بدعوة واحدة لا تغيرها، فقال موسى: فماذا تقول في دعوتها؟ فقال الرجل: إنها تدعو لي قائلةً: اللهم اجعل ابني مع موسى بن عمران في الجنة، فقال له الكليم موسى- عليه السلام-: أبشِر فقد استجاب الله دعاءَها وأنا موسى بن عمران، وهذا ببركة دعوة أمه؛ لأن دعوة الوالدين مستجابة.
حيٌّ يتقلَّب في نعيم الجنة
كان رجل من الصالحين يقبِّل قدم أمه كلَّ يوم فأبْطأ يومًا على إخوانه، فسألوه أين كنت؟ فقال كنت أتمرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات.
تحمُّلٌ عظيمٌ.. برًّا بالأب
حدث في زمن الخلافة العباسية في بداية القرن التاسع الميلادي أن الخليفة أمر بحبس رئيس الوزراء (يحيى البرمكي)، وحبس معه في نفس الزنزانة ابنه (الفضل بن يحيى البرمكي)، وكان ذلك في فصل الشتاء، وكان البرد قارسًا والزنزانة ضيقة ورطبة، وكان الأب يحيى شيخًا في الثمانين من عمره، ولم يكن يتحمَّل الوضوء بالماء البارد، فحاول الابن أن يسخِّن الماء ببطء على السراج (المصباح) الذي يضيء الزنزانة، وعندما رأى السجَّان ذلك رفع السجَّان السراج بعيدًا عنهما حتى لا يستخدماه.
وفكر الابن في طريقة يدفئ الماء لأبيه بها، واهتدى الابن لحلٍّ مؤلم وصعب ليرتاح أبوه، فكان يحتضن إناء الماء ويضعه على جمسه مباشرةً ليمتص من جسمه شيئًا من الحرارة، وكان يفعل ذلك خفيةً أثناء نوم أبيه، وصحا الأب ذات ليلة ليرى هذا المشهد فدعا لابنه بالخير ومنعه من تكرار ذلك.
من قصص العقوق
كما تدين تدان
ذكر العلماء أن رجلاً حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خرِبة، فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك، فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحنَّ أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بدَّ فاعلاً فاذبحني هنا عند هذه الحجرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان.
قصة واقعية حدثت
ومتى نفعل بك مثل ما تفعل بجدي يا أبي؟!
رجل متزوِّج ولديه أطفال، أكبرهم عمره سبع سنوات، ويعيش معه والده الطاعن في السن، وأمام إلحاح زوجته وكلامها المعسول بوضع والده في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم؛ حتى لا يشقَّ عليه الذهاب والإياب من وإلى البيت تيسيرًا عليه، مع تعهدها بالاهتمام بكل متطلباته، طرح الرجل المغلوب على أمره الفكرة على والده الذي لم يكن له من خيار إلا الموافقة على مضضٍ، وفعلاً ذهب الرجل إلى السوق ومعه ابنه البكر (سبع سنوات) ليشتري لوالده مستلزمات الغرفة التي في المسجد من فرشٍ وسرير ودولاب ونحوه.
وكان من عناية الله به أن سأله ابنه الصغير المرافق له عما يشتريه ولماذا؟ فكان يجيبه إن ذلك لجده؛ حيث إنه سوف يقيم في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم، فسأله هذا الطفل الصغير- بمنتهى البراءة- ومتى نشتري لك مثل ذلك يا أبي!! فنزل السؤال على الأب كالصاعقة وزلزل الأرض من تحت قدميه، وأفاق من غيبوبته فأعاد كل ما اشتراه على صاحب المحل، ولم ينتظر أن يعيد له صاحب المحل نقوده، وعاد مهرولاً خجلاً إلى والده يقبِّله ويعتذر له، ويؤكد له أن له أقصى البيت ولهم أدناه.. أما الزوجة العاقَّة فقد خيَّرها بين والده وأبنائه أو بيت أهلها.
وهكذا عاد الرجل إلى صوابه، وفتح الله على قلبه، وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، وجزاء سيئة سيئة مثلها.
علقمة
كان في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- شابٌّ يسمَّى علقمة، كان كثير الاجتهاد في طاعة الله، في الصلاة والصوم والصدقة، فمرِض واشتد مرضه، فأرسلت امرأته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن زوجي علقمة في النزاع، فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله.
فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- عمارًا وصهيبًا وبلالاً، وقال:"امضوا إليه ولقنوه الشهادة"، فمضَوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لا ينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- هل من أبويه من أحد حيٍّ؟ قيل: يا رسول الله.. أمٌّ كبيرة السن، فأرسل إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال للرسول: قلْ لها إن قدرتِ على المسير إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلا فقرِّي في المنزل حتى يأتيك..
قال: فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: نفسي لنفسه فداءٌ.. أنا أحق بإتيانه، فتوكأت وقامت على عصا وأتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسلَّمت فردَّ عليها السلام وقال:يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى.. كيف كان حال ولدك علقمة؟ قالت: يا رسول الله، كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير الصدقة.. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما حالك؟ قالت: يا رسول الله أنا عليه ساخطة، قال ولم؟ قالت: يا رسول الله كان يؤثر عليَّ زوجته ويعصيني فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة.
ثم قال: يا بلال انطلق واجمع لي حطبًا كثيرًا، قالت: يا رسول الله وما تصنع؟ قال: أحرِقه بالنار بين يديك، قالت: يا رسول الله، ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي.. قال يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى، فإن سرَّك أن يَغفر الله له فارضي عنه، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دُمت عليه ساخطة، فقالت: يا رسول الله إني أُشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة، فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: انطلق يا بلال إليه.. انظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني، فانطلق بلال فسمع علقمةَ من داخل الدار يقول لا إله إلا الله، فدخل بلال وقال: يا هؤلاء إن سخَط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة، وإن رضاها أطلق لسانه، ثم مات علقمة من يومه، فحضره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بغسله وكفنه ثم صلى عليه، وحضر دفنه، ثم قال- على شفير قبره-:يا معشر المهاجرين والأنصار من فضَّل زوجته على أمُّه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً إلا أن يتوب إلى الله- عز وجل- ويحسن إليها ويطلب رضاها.. فرضى الله في رضاها وسخط الله في سخطها.
منقول
[center]